خرجت لأجد أمام الدار قطة كبيرة أنثى وثلاثة من أبنائها يحومون حولها ومعها
وهم من اللطف بمكان وفيهم شقاوة فيما بينهم ..
وعجائب الله في خلقه لا تفنى .. فالدروس لا تكمن في أفعال البشر فحسب..
بل هي ظاهرة للمتأمل في البشر والشجر والحيوان والحجر .. متى ما رآها وتأملها ..
فيستشف منها ما يعلق بذهنه ويقوم أخلاقه ..
وكم من درس أخذته من غير البشر بقي معي لا يفارق ذهني حالا وحاضرا ومنها ما أنقله لكم اليوم ..
هذه القطة (( الأم )) أتعجب لمدى مراعاتها لأبنائها .. لا تفارقهم .. وتحميهم ..
مما فطره الله فيها ..
و لربما علق أحد أبنائها بثديها وهي تسير في وسط الطريق فتهوي محلها ولا تتحرك حتى إني لأسمع صوتها حين تسقط على الأرض سقوطا مؤلما .. حتى يفرغ هذا الابن
من الرضاع .. !! وكان الأحرى أن ينتظرها حتى تتخذ مكانا مناسبا .. ثم إذا بدأ يرضع منها دنت بحنانها
الذي وضعه الله فيها فلعقت بلسانها الرطب ابنها حتى تزيل عنه بأكرم ما فيها أدنس ما فيه ..
وهذه هي الأم من البشر أليست تغسل عن صغيرها أذاه وتمسح عنه ما علق به !!
و والله كم يستوقفني منها .. أني أجدها على جوع لا يحتمل .. !! فأضع لها الطعام فتجري جريا شديدا
لتدرك الطعام ليسبقها عليها الأبناء .. الثلاثة .. و لربما اجتمعوا على الصحن ..
فو الله لا تنهر أحدا ولا تضرب أحدا منهم .. فكأنها هي التي تأكل إذا شبعوا ..
والأعجب من ذلك ربما التقمت جائعة لقمة .. فيقفز عليها أحد أبنائها فيأخذها من وسط فمها ..
وقد ذاقت الطعام وأحست بلذته .. فينتزعها هذا الابن من وسط فمها .. فتتركها له على شدة جوعها .. !
فهذه قطة وهي غير مكلفة ولا عقل لها تحنو على أبنائها بهذه الصورة فكيف بالأم الحنون التي ملئت عقلا
وإدراكا ..
ولم نصل للدرس العظيم .. في مقالي هذا :
وأنا عائد يوماً لأجد هذه القطط أمام بيتي
الثلاثة مع أمهم ..
فوقفت على مشهد أثر في .. وكان والوقت صباحا حينها ..
حيث تسكن القطط فيه عادة وتنام فيه كما هو الحال فيما أراه منهم ومن مثيلاتهم ..
فوجدت الأم المسكينة قد نامت بجوار أبنائها .. وهم نائمون في حظنها ..
إلا واحدا .. فعل ما أثر في ذهني كثيرا ..
لما وضعت الأم رأسها على يدها وغفت .. من تعب ظاهر ..
قام أحد الأبناء والتف من خلف والدته .. ثم علا رأسها ..
ونظر لي .. إيذانا بدرس تربوي إيماني لا ينسى .. !!
ففتح فمه الصغير .. ولكم أن تتخيلوا المنظر وبدأ يمر بلسانه الرطب الصغير الوردي
على رأس أمه الأبيض .. برا بها ربما .. ربما وفاء للجميل .. ربما لأمر خاص به ..
يلعق رأس والدته .. يزيل عن رأسها الكبير .. الأذى بلسانه الصغير ..
ولا يزال فترة ليست قصيرة على هذه الحال
فعجبت أهكذا كان فعل الحيوان ؟ وقد استقذر فعل هذا الإنسان ؟!
حينما نقرأ عن رجل يرض رأس والدته بين حجرين !!
حتى فارقت الدنيا !
وحينما نسمع عن صفعة حارقة من يمين شلت
على خد أمه الرقيق .. !
أو سباب وشتائم ؟؟ وقذف في دار الإيواء ..
والبعض لا يفرق بين في الخطاب بين ابنه الصغير وبين والدته
فالتقريع واحد و لربما نصح والدته كما ينصح ابنته ..
فيرفع صوته ويزيد في حدة عباراته ..
هي رسالة في هذا اليوم ..
من ( حيوان أليف ) – لا يعقل من حياته – إلا بطنه وشهوته :
أو قل – بعبارة أجمل – نصيحة من غير العاقل إلى العاقل :
بأن نعيد النظر في آبائنا وأمهاتنا .. يا من أدخلت عليهم الحزن ..
أدخل عليهم السرور .. والابتسامة ..